تأثير البرامج على الانسان
بقلم: دانيل ريد
--------------------------------------------------------------------------------
الكثير يعتقد ان البرامج عبارة عن خوارزميات واوامر لايتعدى تاثيرها جهاز الكمبيوتر، ولكن الحقيقة عكس ذلك، قد يقوم احد البرامج بالتأثير على حياة الاف الناس وقلبها رأسا على عقب... فقط اقرأ هذه المقالة لتعلم ماهو المقصود من ذلك !
لقد استخدمت الكمبيوتر لعدة سنوات منذ ان اشترى والدي جهاز كمبيوتر للبيت، وفي الحقيقة كنت اعرف بشكل بسيط جدا كيف تعمل الكمبيوترات. ولقد قمت بعمل عدة برامج في المرحلة الثانوية والجامعية بواسطة لغة BASIC و Pascal . وظيفتي الاولى في مجال تطوير برامج الكمبيوتر كانت كتقني مدخل بيانات. وفي الحقيقة لم اكن مؤهلا حينها لدعم برنامج المحاسبة الذي كانت شركتي تقوم بتصميمه.
انضممت انا الى فريق تطوير هذا البرنامج في الوقت الذي كانوا يستعدوا فيه لطرح الاصدار الاول من البرنامج، عندما انضممت كانوا في طور نسخ الاقراص وطباعة الملصقات ودليل التعليمات وتجهيزها للتغليف، ولم اكن اعلم حينها انني على وشك تعلم درس لن انساه مدى الحياة.
على العموم، تم شحن البرنامج الى الزبائن "تقريبا الف نسخة – وكلها طلبات مسبقة". واستعدينا لتلقي المكالمات الهاتفية بخصوص البرنامج. وفي غضون ذلك كنت اقرا كتاب Peter Norton’s MS-DOS 5.0 book الذي اصبح صديقي الحميم في الاشهر التالية. على العموم علمنا ان البرنامج قد انتشر بشكل كبير عندما بدأ الهاتف يرن طيلة الوقت، كنت على وشك الجنون فقد كان الهاتف يرن على مدار الساعة.. ولكني سرعان ما اكتشفت ان البرنامج تحول الى كارثة ! . حيث ان اكثر الناس لم تتمكن حتى من انهاء عملية التحميل installation بنجاح ! حتى ان الاشخاص الذين تمكنوا من تحميله بنجاح، كانوا اكثر تعاسة من الذين لم يتمكنوا من تحميله ! اكتشفنا ان البرنامج كان ملئ بالاخطاء Bugs، الحسابات المالية كانت خاطئة، الاصناف كانت بكل غموض تتحرك من طلبية الى اخرى ! ، الطلبات كانت تختفى بدون سبب، التقارير لم تنطبع، الفهارس تتلف بدون سبب يذكر، رسائل الاخطاء الغامضة كانت تظهر في كل مكان، التهنيق الكامل للبرنامج كان شئ اعتيادي، الكثر من الزبائن لم يتمكنوا من تشغيل البرنامج بسبب استخدامه الكبير للذاكرة. البرنامج كان سئ لابعد الحدود... عندها قلت لنفسي : "اهلا بك يا دان الى عالم البرامج".
اخيراً، قررنا عدم الرد على الهاتف نهائيا وتحويل المكالمات الى البريد الصوتي، صندوق البريد الصوتي كان يتملئ مرة كل ساعة من كثرة الاتصالات، وكنا نفرغة باستمرار، لم نستطع الرد على كل الاتصالات بالسرعة المطلوبة، وعندما نتصل باحد الزبائن، يبدا بالفور في الصراخ والتوبيخ. حتى ان احد الزبائن غضب لدرجه كبيرة، فقام بارسال الكثير من الفاكسات لعدة ليالي وهي تحتوى على العديد من الصفحات السوداء الى ان قام بالقضاء على كل الورق وافراغ الحبر من جهاز الفاكس نهائياً !
احتجنا الى عدة شهور للخروج من هذا المأزق، قمنا باصدار عدة اصدارات لصيانة البرنامج، وكلها مجانية لزبائننا. عملنا طيلة الليل لعدة مرات، حتى اني نمت على ارض لمكتب اكثر من مرة ! ، في الحقيقة الشئ الوحيد الذي انقذنا من هذا المأزق هو اصرارنا الشديد، وايضا علمنا بان الزبائن لم يكن امامهم اي خيار اخر غير برنامجنا، حيث ان البرنامج كان فريداَ في فكرته.
سبب هذه الكارثة كان واضحا لكل موظفي شركتنا، السبب هو الطريقة السيئة في كتابة شيفرة البرنامج Code. حيث ان الشركة تعاقدت مع مبرمج قام بكتابة البرنامج بمساعدة اثنين من المبرمجين، وقام هذا المبرمج بكتابة اسوأ شيفرة رايتها في حياتي (ثوم، اذا صادف وقرات هذه المقالة، انا اسف ولكن الحقيقة ان الشيفرة كانت سيئة للغاية). الشيفرة Code كانت غير مرتبة ومعقدة بشكل كبير جدا. وكما تعلمت في السنوات الخاليه من امور عديدة كالتقاليد المتبعة في تسمية المعرفات Identifiers، المخططات، الوضوح، فنون كتابة التعليقات Comments ...الخ، اتضح لي كيف ان هذه الممارسة ستكون ذات فائدة، اجتياح تلك الشيفرة حضرتني للحصول على هذه المعرفة.
عملت مع هذه الشركة لمدة ثلاث سنوات، واخيرا تمكنا من تحويل هذا البرنامج الفاشل الي برنامج رائع مازلت افتخر به. والعملية لم تكن سهلة على الاطلاق. اقسم اني تعلمت في هذه الثلاث سنوات ما الم اكن اتعلمه خلال عشر سنوات. فترة عملي في هذا البرنامج، الشركة، زملائي في الشركة علمتني الكثير، حتى ان فلسفتي وخبرتي الحالية في تطوير البرامج كلها نشأت من قترت عملي في هذه الشركة.
عندما ابتعدت عن الشركة والبرنامج لفترة، استطعت ان اوضح لنفسي والاخرين الدرس الذي تعلمته في الشركة السابقة، وهو : البرامج لها تأثير كبير جدا على حياة الناس،البرامج ليست منعزلة كما نعتقد. عندما اكتب البرنامج، فان تاثير البرنامج لايكون علي انا وعلى نظام التشغيل وقاعدة البيانات فقط تأثير برنامجي الذي اكتبه يمتد الى اكثر من ذلك بكثير. بالاعتماد على خبرتي، ومقاييسي وقراراتي، استطيع ان اعمل برامج تؤثر سلبيا او ايجابيا. هذه قائمة بكل الاشخاص الذين تضرروا بسبب التصميم السئ لبرنامج المحاسبة الذي اثر سلبا على الناس :
1- المئات من الزبائن، الذين اعمدوا على البرنامج في أعمالهم، والذي ذاقوا الامرين بسبب البرنامج.
2- عائلات هؤلاء الزبائن، حيث انهم حرموا من الاب/الام بسبب ان الاب او الام كانوا مشغولين في اعادة ادخال البيانات التالفة، والسهر طيلة الليل في محاولة تشغيل البرنامج بالشكل الصحيح " اعلم ذلك لاني كنت في اكثر من مرة على الهاتف معهم في الثالثة صباحاً".
3- الموظين الذي يعمولون لدى الزبائن، حيث انهم سيمروا بنفس الشئ المروع.
4- مالك شركتنا، الذي فقط بسبب برنامجه سمعته بالاضافة الى الكثير من الاموال.
5- الشركات والاشخاص الذي صادقوا على برنامجنا وقاموا بالنصح باستخدامه، حيث ان سمعتهم تضررت بسبب ذلك.
6- كل موظفي شركتنا، حيث انهم تضرروا لاسباب معروفة.
7- جميع عائلات الموظفين، والاسباب معروفة ايضا.
8- الموظفين الذي سيتم توظيفهم في المستقبل.
9- المبرمج الذي كتب البرنامج بنفسه، الذي تحمل حنق الزبائن والموظفين في الشركة، والذي سهر الليالي في سبيل تصليح البرنامج الذي كتبه.
10-عائلة المبرمج الذي كتب البرنامج (كان لديه عدة اطفال) والذي لم يستطع ان يراهم لعدة اسابيع.
11-المبرمجين الاخرين "ومنهم انا" حيث انهم جاهدوا في تحسين البرنامج وبناؤه من جديد.
هذا عدد كبير جدا من الاشخاص المتضررين، يتجاوز الالاف، وكل هذا بسبب شيفرة مبرمج واحد !!!
المصدر:http://www.dev4arabs.com/se/ShowReco...Article&id=227